صقر العروية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

حال السلف في رمضان(فضيلة الدكتور سعدالبريك)

اذهب الى الأسفل

حال السلف في رمضان(فضيلة الدكتور سعدالبريك) Empty حال السلف في رمضان(فضيلة الدكتور سعدالبريك)

مُساهمة من طرف (7) شعول(7) الأحد سبتمبر 30, 2007 11:29 am

السلف والقرآن :
كان لهم مواقف عجيبة وأخبار غريبة من التدبر والتلاوة والخشوع .
ولا عجب ولا غرابة ، فالقرآن كتاب معجز لا يشبع منه العلماء ولا يروى منه الحكماء أفحم الخطباء وأخرس الفصحاء وأدهش الأذكياء .
كل حرف منه بعشر حسنات . قال صلى الله عليه وسلم :" من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن أقول ألف حرف، ولام حرف ، وميم حرف ". رواه الترمذي.
كان جبريل عليه السلام يعارض النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرةً ، فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه مرتين. رواه البخاري . وكانت المعارضة ليلاً كما قال ابن عباس رضي الله عنهما .
وكان الأسود بن يزيد يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين، وكان ينام بين المغرب والعشاء، وكان يختم القرآن في غير رمضان في كل ست ليالٍ . ( سير أعلام النبلاء (4/51).
وكان سعيد بن جبير يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء في شهر رمضان، وكانوا يؤخرون العشاء . ( حلية الأولياء 6/273، وسير أعلام النبلاء 4/324).
وكان الوليد بن عبد الملك يختم في كل ثلاثٍ، وختم في رمضان سبع عشرة ختمه . ( سير أعلام النبلاء (4/347).
وكان قتادة يختم القرآن في سبع، وإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاثٍ، فإذا جاء العشر ختم كل ليلةٍ . ( سير أعلام النبلاء 5/276).
وقال الربيع بن سليمان: كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة، وفي كل شهر ثلاثين ختمة . ( سير أعلام النبلاء 10/36، 83).
وكان وكيع بن الجراح يقرأ في رمضان في الليل ختمةً وثلثاً، ويصلي اثنتي عشرة من الضحى ، ويصلي من الظهر إلى العصر . ( سير أعلام النبلاء (12/109).
وكان لأحمد بن عطاء البغدادي في كل يوم ختمة، وفي رمضان تسعون ختمة، وبقي في ختمةٍ مفردةٍ بضع عشرة سنة يتفهَّم ويتدبر. ( سير أعلام النبلاء (14/255).
الخاسر هو من يهجر القرآن في هذا الشهر {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا} .
وليس فتى الفتيان من كان همه ** جرائد يقراها وتلفاز ينظر
ولكن فتى الفتيان من كان همه ** قراءة قرآن وللقلب يُحضِر
كيف لا تهفوا النفوس إليه ، وهو القرآن كلام الله المنزل ووحيه المعجز سيد الكتب السماوية وناسخها والمهيمن عليها .
أتى على سفر التوراة فانهزمت ** فلم يفدها زمن السبق والقدم
ولم تقم معه للإنجيل قائمة ** كأنه الطيف زار الجفن في الحلم
يخاطب النفس فتخشع والقلب فيخضع والأذن فتسمع والعين فتدمع.
تلاوته من أفضل العبادات وأعظم القربات وأجل الطاعات .
تنوء الجبال عن حمله وتندك لعظمته { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله } .
ومع هذا فالخاسرين قلوبهم لا تخشع ، ولتلاوته لا تسمع ، ومن زواجره أعينهم لا تدمع ، { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها }.
السلف وقيام الليل:
قال صلى الله عليه وسلم :" من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ". رواه أهل السنن .
ولذا حرص السلف على ألا يفوت أحدهم قيامه مع الإمام ، وكان الأئمة يطيلون في القراءة .
عن السائب بن يزيد قال: "أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبَي بن كعب وتميم الداري رضي الله عنهما أن يقوما للناس في رمضان، فكان القارئ يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلاَّ في فروع الفجر . أخرجه عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة .
وعن السائب بن يزيد قال: كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب في شهر رمضان بعشرين ركعة، قال: وكانوا يقرؤون بالمائتين، وكانوا يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان بن عفان من شدة القيام . أخرجه البيهقي .
وعن عبد الرحمن بن هُرْمز قال: كان القراء يقومون بسورة البقرة في ثمان ركعات، فإذا قام بها القراء في اثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف عنهم . أخرجه عبد الرزاق والبيهقي .
وقال ابن أبي ملكية : كنت أقوم بالناس في شهر رمضان فأقرأ في الركعة الحمد لله فاطر ونحوها، وما يبلغني أنّ أحداً يستثقل ذلك . أخرجه ابن أبي شيبة .
وكان أبو مجلز يختم في كل سبع . أخرجه ابن أبي شيبة .
وأبو الأشهب : كان أبو رجاء يختم بنا في قيام رمضان لكل عشرة أيام. ( حلية الأولياء 2/306 ، وسير أعلام النبلاء 4/257).
وكان ابن سيرين يحيى الليل في رمضان. (صفة الصفوة 3/247 ).
قارن بين حال السلف وحال البعض ممن فرطوا وتهاونوا بصلاة القيام في رمضان ، لم يصلوها ولم يعبأوا بها ، بل لم شطبوها من جدولهم اليومي .
فما أفدح خسارتهم وما أعظم الغبن الذي لحق بهم.
قال صلى الله عليه وسلم ": إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ". رواه أحمد وصححه الألباني رحمه الله
كان ابن عمر رضي الله عنهما يقوم في بيته في شهر رمضان، فإذا انصرف الناس من المسجد أخذ إداوةً من ماءٍ ثم يخرج إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا يخرج منه حتى يصلي فيه الصبح . أخرجه البيهقي
بعض الناس يصلي التراويح ويقوم مع الإمام حتى ينتهي من الصلاة .
ولكن ماذا بعد الصلاة ؟.
السهر على القنوات والأفلام والمسلسلات .
وسماع الغناء ومشاهدة السافلات والساقطات والمغنين والمغنيات .
أو لعب البلوت وإضاعة الأوقات بالتفحيط والجلوس على الأرصفة والطرقات .
السلف والإنفاق في رمضان :
رمضان شهر الجود والإنفاق والصدقة فيه أفضل من غيره ،لأنها تعين على أداء فريضة الصوم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة ".رواه البخاري ومسلم .
وكان السلف الصالح يحرصون على الإنفاق وإطعام الطعام ويقدمونه على كثير من العبادات. سواء كان ذلك بإشباع جائع أو إطعام أخ صالح، فلا يشترط في المطعم الفقر. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :" يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام ". رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
ولذا قال بعض السلف: لأن أدعو عشرة من أصحابي فأطعمهم طعاماً يشتهونه أحب إلى من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل.
وكان ابن عمر رضي لله عنهما يصوم، ولا يفطر إلاَّ مع المساكين، فإذا منعهم أهله عنه، لم يتعشَّ تلك الليلة، وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه، أخذ نصيبه من الطعام وقام، فأعطاه السائل، فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجِفْنَةِ، فيصبح صائماً ولم يأكل شيئاً . ( لطائف المعارف 314) .
وكان ابن شهاب إذا دخل رمضان، فإنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام . ( التمهيد (6/111).
وكان حماد بن أبي سليمان يفطِّر في شهر رمضان خمس مائة إنسان، وكان يعطيهم بعد العيد لكل واحد مائة درهم . ( سير أعلام النبلاء 5/234).
وكان من السلف من يطعم إخوانه الطعام وهو صائم ويجلس بخدمهم ويروّحهم… منهم الحسن وابن المبارك.
قال أبو السوار العدوي: ( كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد، ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده، إن وجد من يأكل معه أكل، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد فأكله مع الناس وأكل الناس معه .
وإطعام الطعام، ينشأ عنه عبادات كثيرة ، والطاعة تقول أختي أختي. منها: التودد والتحاب بين المسلمين ، ومجالسة الصالحين والتيسير على المحتاجين ، مع ما ينتظر المنفق والمطعم من الخلف الجزيل في الدنيا والآخرة { ومثل الذين ينفقون أموالهم في سبل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم }.
قال صلى الله عليه وسلم": من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب ، فإن الله يتقبلها بيمينه ، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل ". متفق عليه .
ومن فطر صائماً فاز بمثل أجره . قال صلى الله عليه وسلم :" من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء". أخرجه أحمد والنسائي وصححه الألباني .
قال الشافعي رحمه الله : أحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثيرٍ منهم بالصَّوم والصلاة عن مكاسبهم . ( لطائف المعارف 15).
خسارة كبيرة أن ينصرم رمضان على البعض ولم يفطَّر صائماً أو يطعم مسكيناً أو ينفق على محتاج .
شحت يده عن العطاء ، وجفت يمينه عن البذل ، وعجزت همته عن العمل للموت وما بعده .
أخي ما بال قلبك ليس ينقى ** كأنك ما تظن الموت حقا
أيا ابن الذين فنوا وبادوا ** أما والله ما بادوا وتبقى
وما أحد بزادك منك أحصى ** وما أحد بزادك منك أشقى
وما للنفس عندك مستقر ** إذا ما استكملتْ أجلاً ورزقا
السلف ورياضة النفس :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لم يدع قول الزور، والعمل به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه ". رواه البخاري .
وفي رواية مسلم: " إذا أصبح أحدكم يوماً صائماً، فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤٌ شاتمه أو قاتله، فليقل: إني صائمٌ إني صائمٌ ". رواه مسلم.
قال عمر بن الخطاب صلى الله عليه وسلم : (ليس الصيام من الطعام والشراب وحده، ولكنه من الكذب والباطل واللغو والحلف). أخرجه ابن أبي شيبة .
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : (إنّ الصيام ليس من الطعام والشراب، ولكن من الكذب والباطل واللغو )
وقال أبو ذر رضي الله عنه : ( إذا صمت فتحفظ ما استطعت ) .
وكان طلق إذا كان يوم صومه دخل فلم يخرج إلاّ لصلاة .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك، ولسانك عن الكذب والمآثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء) . ( المصدر السابق ).
وكان أبو هريرة رضي الله عنه وأصحابه كانوا إذا صاموا جلسوا في المسجد . (المصدر السابق ).
وقال عطاء : سمعت أبا هريرة يقول: (إذا كنت صائماً فلا تجهل، ولا تساب، وإن جُهِل عليك فقل: إني صائم) . أخرجه عبد الرزاق في المصنف.
وعن مجاهد قال : ( خصلتان من حفظهما سلم له صومه: الغيبة والكذب) . أخرجه ابن أبي شيبة.
وعن أبي العالية قال: ( الصائم في عبادة ما لم يغتب) المصدر السابق.
البعض يفطر على المعصية قبل أن يدخل جوفه طعام أو شراب ، يعكف أمام الشاشات والقنوات يقلب الأفلام والمسلسلات والصور الخليعة والمشاهد الماجنة ، حتى تغرب الشمس وينادي منادي " الله أكبر ".
وآخرون أفسدوا صيامهم بالغيبة .
وهل صام من أكل لحوم الناس ونهش من أعراضهم ؟.
وهل صام من نال من العلماء والدعاة ؟.
وهل صام من استهزأ بأهل الخير والحسبة .
وهل صام من أطلق لسانه بالقيل والقال ، وقذف الأبرياء وشوَّه سمعة الأتقياء .
قال صلى الله عليه وسلم ": إن أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه ".
إن صمت عن مأكل العادي ومشربَه ** فلا تحاول على الأعراض إفطارا
يغدُ على كسب دينار أخو عمل ** لو يوزن إثم فيه كان قنطارا
الغيبة تقطع الصلات بين الأحبة وتثير الأحقاد وتشتت الشمل .
شر الورى من بعيب الناس مشتغلاً **مثل الذباب يراعي موضع العلل
الأولى هو الاشتغال بعيوب النفس والاجتهاد في إصلاحها وتهذيبها .
قيل للربيع بن الخثيم : ما نراك تعيب أحداً ولا تذمه فقال ما أنا على نفسي براضٍ فأتفرغ من عيبها إلى غيرها .
إذا ما ذكرت الناس فاترك عيوبهم ** فلا عيب إلا دون ما منك منكر
فإن عبت قوماً بالذي هو فيهم ** فذلك عند الله والناس منكر.
المغتاب يهدي ثواب صيامه وأعماله إلى من اغتابهم .
يشاركك المغتاب في حسناته ** ويعطيك أجري صومه وصلاته
ويحمل الوزر عنك ضنَّ بحمله ** عن النجب من أبنائه وبناته .
السلف وليلة القدر : {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } . قال صلى الله عليه وسلم :" من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ". أخرجه البخاري ومسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يتحرى ليلة القدر ويأمر أصحابه بتحريها وكان يوقظ أهله ليالي العشر رجاء أن يدركوها .
وكان صلى الله عليه وسلم يتهجد فيها ويقرأ قراءة مرتلة لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله ، ولا بآية عذاب إلا تعوذ ، فجمع بين الصلاة والقراءة والدعاء والتفكر وهذا أفضل الأعمال وأكملها .
وهي في العشر الأواخر من رمضان، وهي في الوتر من لياليه الآخرة، وأرجى الليالي سبع وعشرين، لما روى مسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه : ( والله إني لأعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها، وهي ليلة سبع وعشرين ). وكان أُبي يحلف على ذلك ويقول: ( بالآية والعلامة التي أخبرنا بها رسول الله ، أن الشمس تطلع صبيحتها لا شعاع لها).
ولشدة اهتمام عائشة رضي الله عنها سالت النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء المشروع فيها ، فقالت: يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال صلى الله عليه وسلم :" قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ". رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني .
وورد عن بعض السلف من الصحابة والتابعين الاغتسال والتطيب في ليالي العشر تحرياً لليلة القدر.
ليلة القدر ضمانة من ضمانات المغفرة .
فيها الباب ويقرب الأحباب ويسمع الخطاب ويرد الجواب ويعطى العاملون عظيم الثواب .
وليلة قد أشرقت في تطلعي **إلى الله أدعو أستمد الرضا الأعلى
وأدنو بخفق القلب ملء ضراعتي **صمت وبعض الصمت من كلمٍ أجلى
وأسأل رب الكون للكون رحمةً ** حناناً وإحساناً وعافية مثلى
أيا ليلة القدر السنية ليت لي **شعاع تجلٍ منك يسعف في الجلى
ويسمو بهذا الحب حراً لربه ** من الملإ الأدنى إلى الملإ الأعلى
ليلة كلها سلام ، فلا خوف ولا جزع بل طمأنينة وراحة وقرة عين لعابدين القائمين .
لأجلها نصبت هامات الصالحين .
وفي ظلمتها ذرفت عيون الخاشعين .
وفي سكونها دوت آهات المتأوهين .
فكم هي عظيمة خسارة الغافلين المعرضين الكسالى النائمين .
الموتى في قبورهم يتحسرون على زيادة أعمالهم بتسبيحة أو تحميدة أو ركعة .
رُئي بعضهم في المنام فقال : ما عندنا أكثر من الندامة ، وما عندكم أكثر من الغفلة . وقال آخر : قدمنا على أمر عظيم نعلم ولا نعمل ، وأنتم تعلمون ولا تعلمون ، والله لتسبيحة أو تسبيحتان أو ركعة أو ركعتان في صحيفة أحدنا خير من الدنيا وما فيها .
يا أيها العبد قم لله مجتهداً ** وانهض كما نهضت من قبلك السُّعَدا
هذي ليالي الرضا وافت وأنت على ** فعل القبيح مصرّاً كما جلوت صدا
قم فاغتنم ليلة تحيا النفوس بها ** ومثلُها لم يكن في فضلها أبدا
طوبى لمن مرة في العمر أدركها ** ونال منها الذي يبغيه مجتهدا
فليلة القدر خير قال خالقنا ** من ألف شهر هنيئاً من لها شهدا
اغتنم الفرصة أمامك واحذر ( سوف ) فإنها من جنود إبليس .
فلربما اختطفك الموت .
وخذ من قريب واستجِب واجتنِبْ ( غداً ) * وشمِّرْ عن الساق اجتهاداً بنهضةِ
وكن صارِماً كالوقت فالمقتُ في ( عسى )* وإياك ( مهلاً ) فهي أخطرُ علةِ
وسِرْ زَمِناً وانهضْ كسيراً فحظُّك الـ * ( بطالةُ ) ما أَخَّرَتْ عزماً لصحةِ
وجُذَّ بسيف العزم ( سوف ) فإن تَجُدْ * تَجِدْ نفساً فالنفسُ إن جُدْتَ جَدَّتِ
اجعل زوال الدنيا نصب عينيك ، وتيقن لقاء الآخرة وبقاءها وما فيها من النعيم المقيم .
وكل حيٍّ وإن طالت سلامته * يوماً له من دواعي الموت تثويب
تأمل قوله تعالى { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً ، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً } .
وتدبَّر قول العزيز الحكيم { إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتـنا غافلون أولئك مأواهم النار} .
اقطع دابر التسويف وطول الأمل حتى تحس أنك مسافر عن هذه الدار ، قال صلى الله عليه وسلم لابن عمر :" كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" . قال ابن عمر : إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من حياتك لموتك ومن صحتك لمرضك .رواه البخاري .
عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما لي وللدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها " . رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني .
سبيلك في الدنيا سبيل مسافر ** ولا بد من زاد لكل مسافر
ولا بد للإنسان من حمل عدة ** ولا سيما إن خاف صولة قاهر
قال ابن رجب : وقد اتفقت على ذلك وصايا الأنبياء وأتباعهم ، قال تعالى حاكياً عن مؤمن آل فرعون أنه قال { يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار } .
ومن وسوس له الشيطان أنه شاب قوي موفور الصحة قوي البنيان مشدود الأَسْر وأنه في إمكانه التفرغ للطاعة والإقبال على الآخرة عند تقدم العمر ، فليطرد عنه الوسواس باستحضار الذين رحلوا شباباً وكهولاً وهم الآن تحت الثرى .
يا رافلاً في الشباب الرحب منتشياً ** مِنْ كأسِه هل أصاب الرشد نشوانُ
لا تغْتَرِرْ بشباب ناعم خضلٍ ** فكم تقدَّم قبل الشِّيب شُبَّانُ
ويا أخا الشيب لو ناصحت نفسك لم ** يكن لمثلك في اللذات إمعان
هب الشبيبة تبدي عذر صاحبها ** ما عذر أشيب يستهويه شيطان
أُخرج إلى المقابر وتفكر فيمن جمعوا الأموال وقتلوا أوقاتهم في طلبها وأتعبوا أبدانهم في جمعها ، وسل نفسك ماذا جنوا من ذلك .
فما تزوَّد مما كان يجمعه **سوى حنوط غداة البين في خِرَقِ
وغير نفخة أعواد تُشَبُّ له ** وقلَّ ذلك من زادٍ لمُنْطَلِقِ
من قَصُر أمله في الحياة انبعث إلى التجهز للآخرة بعمل الطاعات ، لا يعوقه عن ذلك عائق من تعب ولا نصب ولا سفر ولا سهر ولا بذل ولا تضحية ، لأنه يعلم أنه سيَعْقُبُ تعبَه راحةٌ وألمَه لذة ٌ وفي بذله ربحاً وفي تضحيته عِوضاً مضموناً .
دخل رجل على أبي ذر رضي الله عنه فجعل يقلب بصره في بيته ، فقال : يا أبا ذر ، أين متاعكم ؟ فقال : إنَّ لنا بيتاً نوجِّه إليه ، قال إنه لا بد لك من متاع ما دمت ها هنا ، قال : إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه .
كأنك بالعمر قد انقرض ، وهجم عليك المرض ، وفات كل مراد وغرض ، وإذا بالتلف قد عرض أخّاذا { لقد كنت في غفلة من هذا } .
شخَص البصر وسكن الصوت ولم يمكن التدارك للفوت ، ونزل بك ملك الموت ، فسامت الروح وحاذى { لقد كنت في غفلة من هذا } .
عالجتَ أشدَّ الشدائد ، فيا عجباً مما تكابد ، كأنك قد سُقيت سم الأساود ، فقطَّع أفلاذا { لقد كنت في غفلة من هذا } .
بلغت الروح إلى التراقي ، ولم تعرف الراقي من الساقي ، ولم تدر عند الرحيل ما تلاقي عياذاً بالله عياذا { لقد كنت في غفلة من هذا}.
(7) شعول(7)
(7) شعول(7)
عضو فعال

ذكر عدد الرسائل : 140
تاريخ التسجيل : 24/09/2007

https://sgr-aroba5.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى